القسام ـ خاص :
ثلاثة وعشرون يوماً هي مدة الحرب المسعورة التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة الذي استطاع رغم صغر مساحته وفقره لكافة المقومات أن يرسم معنى للعزة والكرامة, و أصبح بصموده وعنفوانه وصبر أهله على الحصار الظالم ملهماً لكل من آمن بالمقاومة والصمود سبيلاً لنيل الحقوق والحرية للشعوب المستضعفة والمظلومة.
شن العدو الصهيوني حملته معلناً في بدايتها أهدافاً كبيرة بدأت تتقلص مع مرور الأيام, فلم يتحقق منها شيء, بل على العكس تماماً عاد العدو يحمل معه هزيمة أخرى تضاف إلى سجل هزائمه التي مني بها على أيدي رجال المقاومة وبدأت صفحاته تثقل بهزائم متوالية وصفعات متواصلة, إضافة إلى الحقد الذي رماه به كل فلسطيني عشق الأرض وقبل تربها إما شهيداً وإما مصاباً أو ساجداً داعياً لنصر المقاومة وعز المجاهدين .
انسحب العدو الصهيوني بعد دمار كبير وخراب أكبر, فلم يصمد تحت ضربات المجاهدين التي أوجعته, حيث قابل في هذه البقعة الطاهرة رجالاً لم يعهد مثلهم من قبل, يحبون الموت أشد من حبهم للحياة, يقبلون ولا يدبرون, يقاتلون بعقيدة التوحيد, وبروح المؤمن القوي المعد إعداداً سليماً كاملاً لا يأبهون بقوة المحتل ولا بترسانته, فالله مولاهم ولا مولى لمن بغى ذهبنا لنستطلع ما الذي دار فوجدنا شهداء أحياء يروون حكايات البطولة ويحكون أساطير المجد بكل ثقة بالله واستعداد لكل ما هو قادم .
" إيما ... إيما " نداء ما قبل الموت
يروي أحد المجاهدين من منطقة شمال قطاع غزة قصته مع المواجهة أثناء معركة الفرقان وهي إحدى الحكايات التي تسطر بمداد الذهب الخالص في صفحات التاريخ الناصعة فيقول " في إحدى أيام الهجوم الصهيوني على منطقتنا قام أحد القادة الميدانيين بتكليف أحد الإخوة المجاهدين بوضع عبوة ناسفة في منزل يعتقد أن الصهاينة سيذهبون إليه, وعند وصول المجاهد إلى ذلك المنزل تفاجأ المجاهد بوجود أربعة جنود صهاينة ثلاثة منهم نائمون والرابع جالس على كرسي له في وضع استرخاء وعدم انتباه , عاد المجاهد سريعاً إلى القائد الميداني وأخبره بما رأي داخل ذلك المنزل , لتطلب حينها القيادة اثنين من المجاهدين الاستشهاديين فوقع حينها الاختيار علي وعلى الشهيد القسامي المجاهد لؤي حسين, فذهبنا معاً لاقتحام المنزل وأسر أحد الجنود وقتل البقية الباقية, وقبل الوصول إلى المنزل بقليل وفي إحدى الأماكن الزراعية التابعة لذلك المنزل فوجئنا بوجود مجموعة كبيرة من الجنود في وضع استرخاء يرتدون ملابسهم الداخلية, نظرنا إليهم والغريب أن أحد الجنود كان ينظر إلي دون أن يفعل شيئاً , تجولت بنظري في المكان فوجدت الأسلحة التي تعود للجنود موضوعة كلها فوق بعضها حينها بدأ الشهيد لؤي حسين بإطلاق النار لأتبعه أنا لأقتل أولاً ذلك الجندي الذي كان ينظر إلينا, لقد أطلقنا النار عليهم مباشرة من مسافة قريبة لا تزيد على ثلاثة أمتار , حينها وكالمعتاد بدأ جنود الجيش الجبناء الذي يصفونه بأنه لا يقهر بالعويل والصراخ والنداء " إيما ... إيما". لقد كان عدد الجنود الصهاينة المتجمعين يزيد على خمسة وعشرين جندياً وبعد أن أطلق كل واحد منا ما يزيد عن 70 رصاصة، وأطلقت أنا قنبلة يدوية وانسحبنا من المكان بهدوء وسرنا بشكل عادي ونحن متأكدان أن أحداً من الجنود لن يطلق النار بسبب أنهم جميعاً كانوا بين قتيل وجريح وخائف جبان، ولعلمنا أن الرعاية الإلهية كانت هي الحامية والراعية لنا .
مدد القهار يساند مجاهدي القسام لقد استشعر المجاهدون في مناطق التماس رعاية الرحمن لهم ومده لهم بالسكينة لا بل بالقوة المادية أيضاً، فالقصة التي يرويها لنا أحد المجاهدين تكاد لا تصدق لو لم يروها لنا من باع نفسه لله استشهادياً فيقول " في إحدى المهمات الجهادية كان أحد المجاهدين من وحدة الدروع مكلفاً بإسناد مجموعة قسامية مقاتلة اقتحمت منزلاً وقد كان يحمل معه خمس قذائف RBG أربع منها جاهزة ومحشوة بالدوافع والخامسة لا دافع لها مما جعله يتركها في الطابق السفلي من البناية لينطلق إلى الطابق العلوي ويرمي قذائفه الأربعة وينزل إلى الطابق السفلي مرة أخرى وهنا كانت المفاجأة والمدد الإلهي والكرامة الربانية فالقذيفة أضحت جاهزة للإطلاق لقد أضيف إليها دافع دون فعل بشري يقسم ذاك المجاهد بذلك وقد عاد المجاهد ليطلق قذيفته المحشوة بالإيمان والإصرار على درب الجهاد.
أيها الكلب نحن جند الله !!
لقد حدث المجاهدون الذين عادوا من ميادين المعارك قصصاً تعيدنا بالذاكرة إلى أولئك المجاهدين الأوائل الذين بنوا حضارة الإسلام وقهروا ممالك الظلم, وأزالوا عروش الطغاة وملئوا الأرض عدلاً بعد أن امتلأت جوراً وشركاً .
فمجاهدنا أحد أربعة من المجاهدين الذين حدثت معهم القصة التي يرويها فيقول: " كنا ذات ليلة من ليالي معركة الفرقان المباركة مرابطين في إحدى النقاط المتقدمة وفي منتصف تلك الليلة خرج علينا كلب من نوع " دوبر مان " وهي كلاب صهيونية مدربة لمهاجمة كل ما له علاقة بالمقاومة سواء أكان سلاحاً أو مقاومين, وبدأ هذا الكلب الضخم المتوحش يقترب منا شيئاً فشيئاً وعندما اقترب منا كثيراً تحدث معه أحد المجاهدين قائلاً " نحن جند الله خارجون في سبيل الله, ومأمورون أن نكون في هذا المكان فابتعد عنا ولا تمسنا بأي ضرر أو أذى, حينها هدأ الكلب الثائر وجلس على الأرض ومد قدميه, فقام ذلك المجاهد بإخراج كيس من تمر كان معه وأخذ يطعم ذلك الكلب حتى انتهى فقام الكلب بعدها وانصرف من المكان هادئاً دون أي صوت يذكر أو أذى يلحق بأي منا " .
هذه الكرامات التي عاينها رجال القسام في الميدان بأعينهم, وهذه العناية الإلهية التي استشعروها في كل حركة وسكنة لهم, وهذا الجبن اللامحدود الذي وجدوه يسكن نفوس جيش قيل أنه لا يقهر جعل من شباب القسام اليوم أكثر تحمساً وأشد انتظاراً لمعركة باتوا يعلمون أنها ستكون حاسمة، لقد نطقت تعابير وجوههم وأكدت حناجرهم بالقول " في المعركة القادمة سنسحبهم كالخراف إلى مذابح المقاومة وعهداً أن نبقى على ذات الدرب".
بهكذا جيش توعدنا الجيش الصهيوني وبهكذا رجال قوبل, وبهكذا مساندة ربانية كوفئ رجال القسام, لقد وصلت الرسالة أن جند الحق قادمون بالسيف والبندقية ثائرون على موعد مع نصر أكبر, وتحرير أكيد, وإصرار على إعلاء الراية راية التوحيد فوق كل ربوة ومنخفض بعز عزيز أو بذل ذليل.